فصل: القسم الثاني من أمر الجمل.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.القسم الثاني من أمر الجمل.

وقيل في عقر الجمل: إن القعقاع دعا الأشتر وقد جاء من القتال عند الجمل إلى العود فلم يجبه وحمل القعقاع والخطام بيد زفر بن الحرث فأصيب شيوخ من بني عامر وقال القعقاع لبجير بن دلجة من بني ضبة وهو من أصحاب علي بن يا بجير صح بقومك يعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين فضرب ساق البعير فوقع على شقه وأمن القعقاع من يليه واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير وحملا الهودج فوضعاه وهو كالقنفذ بالسهام وفر من وراءه وأمر علي فنودي لا تتبعوا مدبر ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور وأمر بحمل الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبي بكر أن يضرب عليها قبة وأن ينظر هل بها جراحة فجاء يسألها وقيل لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتملا الهودج إلى ناحية ليس قربه أحد وأتاها علي فقال: كيف أنت يا أمة؟ قالت: بخير قال: يغفر الله لك قالت: ولك وجاء وجوه الناس إليها فيهم القعقاع بن عمرو فسلم عليها وقالت له: وددت إني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وجاء إلى علي فقال له مثل قولها ولما كان الليل أدخلها أخوها محمد بن أبي بكر الصديق البصرة فأقرها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية زوجه بنت الحرث بن أبي طلحة من بني عبد الدار أم طلحة الطلحات بن عبد الله وتسلل الجرحى من بين القتلى فدخلوا ليلا إلى البصرة وأذن علي في دفن القتلى فدفنوا بعد أن أطاف عليهم ورأى كعب بن سور وعبد الرحمن بن عتاب وطلحة بن عبيد الله وهو يقول: زعموا أنه لم إلينا إلا الغوغاء مع أن هؤلاء فيهم ثم صلى على القتلى من الجانبين وأمر بالأطراف فدفنت في قبر عظيم وجمع ما كان في العسكر من كل شيء وبعث به إلى مسجد البصرة وقال من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا عليه سمة السلطان وأحصى القتلى من الجانبين فكانوا عشرة ألاف منهم من ضبة ألف رجل.
ولما فرغ علي من الوقعة جاءه الأحنف بن قيس في بني سعد فقال له: تربصت فقال ما أراني إلا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان فارفق فإن طريقك بعيد وأنت إلي عند أحوج منك أمس فلا تقل لي مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحا ثم دخل البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة وأتاه عبد الرحمن بن أبي بكرة فبايعه وعرض له في عمه زياد بأنه متربص فقال والله إنه لمريض وعلى مسرتك لحريص فقال: انهض أمامي فمضى فلما دخل عليه علي اعتذر فقبل عذره واعترض بالمرض قبل عذره وأراده على البصرة فامتنع وقال: ولها رجلا من أهلك تسكن إليه الناس وسأشير عليه وأشار بابن عباس فولاه وجعل زيادا على الخراج وبيت المال وأمر ابن عباس بموافقته فيما يراه ثم راح علي إلى عائشة في دار ابن خلف وكان عبد الله بن خلف قتل في الوقعة فأساءت أمه وبعض النسوة عليه فأعرض عنهن وحرضه بعض أصحابه عليهن فقال: إن النساء ضعيفات وكنا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات فكيف بهن مسلمات ثم بلغه أن بعض الغوغاء عرض لعائشة بالقول والإساءة فأمر من أحضر له بعضهم وأوجعهم ضربا ثم جهزها علي إلى المدينة بما احتاجت إليه وبعثها مع أخيها محمد مع أربعين من نسوة البصرة اختارهن لمرافقتها وأذن للفل ممن خرج عنها أن يرجعوا معها ثم جاء يوم ارتحالها فودعها واستعتبت له واستعتب لها ومشى معها أميالا وشيعها بنوه مسافة يوم وذلك غرة رجب فذهبت إلى مكة فقضت الحج ورجعت إلى المدينة ورجع بنو أمية من الفل ناجين إلى الشام فعتبة بن أبي سفيان وعبد الرحمن ويحيى أخوا مروان خلصوا إلى عصمة بن أبير التميمي إلى أن أندملت جراحهم ثم بعثهم إلى الشام وأما عبد الله بن عامر فخلص إلى بني حرقوص ومضى من هنالك وأما مروان بن الحكم فأجاره أيضا مالك بن مسمع وبعثه وقيل كان مع عائشة فلما ذهبت إلى مكة فارقها إلى المدينة وأما ابن الزبير فاختفى بدار بعض الأزد وبعث إلى عائشة يعلمها بمكانه فأرسلت أخاها محمدا وجاء إليها به.
ثم قسم علي جميع ما في بيت المال على من شهد معه وكان يزيد على ستمائة ألف فأصاب كل رجل خمسمائة وقال: إن أظفركم الله بالشام فلكم مثلها إلى أعطياتكم فخاض السبيئة في الطعن عليه بذلك وبتحريم أموالهم مع إراقة دمائهم ورحلوا عنه فأعجلوه عن المقام بالبصرة وارتحل في آثارهم ليقطع عليهم أمرا إن أرادوه.
وقد قيل في سياق أمر الجمل غير هذا هو أن عليا لما أرسل محمد بن أبي بكر إلى أبي بموسى لستنفر له أهل الكوفة وامتنع سار هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى علي بالربذة فأخبره فأعاده إليه يقول له: إني لم أولك إلا لتكون من أعواني على الحق فامتنع أبو موسى وكتب إليه هاشم مع المحل بن خليفة الطائي فبعث علي ابنه الحسن وعمار الله ياسر يستنفران كما مر وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميرا وبعث إليه: إني قد بعثت الحسن وعمارا يستنفران الناس وبعثت قرظة بن كعب واليا على الكوفة فاعتزل عملنا مذموما مدحورا وإن لم تفعل فقد أمرته أن ينابذك وإن ظفر بك أن يقطعك إربا إربا وإن الناس توافقوا للقتال وأمر علي من يتقدم بالمصحف يدعوهم إلى ما فيه وإن قطع وقتل وحمله بعض الناس وفعل ذلك فقتل.
وحملت ميمنتهم على ميسرتهم فاقتتلوا ولاذ الناس بجمل عائشة أكثرهم من ضبة والأزد ثم انهزموا آخر النهار واستحر في الأزد القتل وحمل عمار على الزبير يحوزه بالرمح ثم استلان له وتركه وألقى عبد الله بن الزبير نفسه مع الجرحى وعقر الجمل واحتمل عائشة أخوها محمد فأنزلها وضرب عليها قبة ووقف عليها علي يعاتبها فقالت له ملكت فأسجح نعم ما أبكيت قومك اليوم فسرحها في جماعة رجال ونساء المدينة وجهزها بما تحتاج إليه هذا أمر الجمل ملخص من كتاب أبي جعفر الطبري اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين وقتل يوم الجمل عبد الرحمن أخو طلحة من الصحابة والمحرز بن حارثة العبشمي وكان عمر ولاه على أهل مكة ومجاشع ومخالد ابنا مسعود مع عائشة وعبد الله بن حكيم بن حزام وهند بن أبي هالة وهو ابن خويلد بن خديجة قتل مع علي وقيل بالبصرة وغيرهم انتهى أمر الجمل.
ولما فرغ الناس من هذه الوقعة اجتمع صعاليك من العرب وعليهم جبلة بن عتاب الحنظلي وعمران بن الفضيل البرجمي وقصدوا سجستان وقد نكث أهلها وبعث علي إليهم عبد الرحمن بن جرو الطائي فقتلوه فكتب إلى عبد الله بن عباس أن يبعث إلى سجستان واليا فبعث ربعي بن كاس العنبري في أربعة آلاف ومعه الحصين بن أبي الحر فقتل جبلة وانهزموا وضبط ربعي البلاد واستقامت.